فأول ما فعل رسول الله صلّى الله عليه وسلم بعد نزول هذه الآية (فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ )(الحجر 94) دعا بني هاشم فحضروا، ومعهم نفر من بني المطلب بن عبد مناف، فكانوا خمسة وأربعين رجلا. فبادره أبو لهب وقال: وهؤلاء هم عمومتك وبنو عمك فتكلم
فقال ﷺ : «الحمد الله أحمده، وأستعينه، وأومن به، وأتوكل عليه. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له. ثم قال: إن الرائد لا يكذب أهله والله الذي لا إله إلا هو، إني رسول الله إليكم خاصة، وإلى الناس عامة، والله لتموتن كما تنامون، ولتبعثن كما تستيقظون، ولتحاسبن بما تعملون، وإنها الجنة أبدا أو النار أبدا» فقال أبو طالب: ما أحب إلينا معاونتك، وأقبلنا لنصيحتك، وأشد تصديقنا لحديثك، وهؤلاء بنو أبيك مجتمعون، وإنما أنا أحدهم غير أني أسرعهم إلى ما تحب، فامض لما أمرت به. فوالله لا أزال أحوطك وأمنعك، غير أن نفسي لا تطاوعني على فراق دين عبد المطلب ([3]).
وبعد ما تأكد النبي صلى الله عليه وسلم من تعهد أبي طالب بحمايته، وهو يبلغ عن ربه، قام يوما على الصفا فصرخ: يا صباحاه: فاجتمع إليه بطون قريش، فدعاهم إلى التوحيد والإيمان برسالته وباليوم الآخر.([4])
وعن ابن عباس. قال: لما نزلت وأنذر عشيرتك الأقربين صعد النبي صلى الله عليه وسلم على الصفا، فجعل ينادي با بني فهر!. يا بني عدي! لبطون قريش، حتى اجتمعوا، فجعل الرجل إذا لم يستطع أن يخرج أرسل رسولا لينظر ما هو؟ فجاء أبو لهب وقريش. فقال: أرأيتكم لو أخبرتكم أن خيلا بالوادي تريد أن تغير عليكم، أكنتم مصدقي؟ قالوا: نعم، ما جربنا عليك إلا صدقا، قال: فإني نذير لكم بين يدي عذاب شديد. فقال أبو لهب: تبا لك سائر اليوم. ألهذا جمعتنا؟ فنزلت تبت يدا أبي لهب([5])» .
وفي رواية مسلم عن أبي هريرة، قال: “لما نزلت هذه السورة: ﴿ وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ ﴾ [الشعراء: 214] دعا رسولُ الله صلى الله عليه وسلم قريشًا، فاجتمعوا، فعمَّ وخصَّ، فقال: ((يا بني كعب بن لؤي، أنقذوا أنفسكم مِن النار، يا بني مرة بن كعب، أنقذوا أنفسكم من النار، يا بني عبد شمس، أنقذوا أنفسكم من النار، يا بني عبد مناف، أنقذوا أنفسكم من النار، يا بني هاشم، أنقذوا أنفسكم من النار، يا بني عبدالمطلب، أنقذوا أنفسكم من النار، يا فاطمةُ، أنقذي نفسك من النار؛ فإني لا أملِك لكم من الله شيئًا، غيرَ أن لكم رحِمًا سأبُلُّها ببِلالِها))”
وعن عبد الله بن مسعود : ما زال النبي – صلى الله عليه وسلم – مستخفيا ، حتى نزلت : فاصدع بما تؤمر ) فخرج هو وأصحابه
ووقت هذا الإبلاغ والدعوة فقاموا إليه فأتى الصريخ أهله، فأدركه الحارث بن أبي هالة فضرب فيهم فعطفوا عليه فقتل، فكان أول من استشهد ([6])
جاء في الأوائل للعسكري (ص: 214
قال أول من استشهد في الإسلام الحارث بن أبى هالة
أخبرنا أبو القاسم بن سيران عن عبد الرحمن بن جعفر عن العلاء عن بشر بن حجر الشامى عن على بن منصور الانبارى عن شرقى بن القطامى قال: أول قتيل فى الاسلام الحارث بن أبى هالة، وكانت أمه خديجة قد ولدت الحارث وهندا ابنى أبى هالة، وذلك ان رسول الله- صلّى الله عليه وسلم- لما أمر أن يصدع بما يؤمر قام فى المسجد الحرام فقال: قولوا لا اله الا الله تفلحوا، فوثبت عليه قريش، فأتى الصريخ أهله، فكان أول من أتاه الحارث بن أبى هالة، فضرب فى القوم ففرقهم عنه، ثم عطفوا عليه فضربوه حتى قتلوه([7])
فقتل تحت الركن اليماني بمكة، فكان أول من استشهد ([8])
قال البلاذري: «الحارث بن أبي هالة التميمي أول من قُتل فِي اللَّه فِي الْإِسْلَام تحت الركن اليماني([9])
وكان استشهاده حينما اجتمع كفار قريش حول النبي لإيذائه.
فقام الحارث بن أبي هالة رضي الله عنه لنجدته
فضربهم وقاتلهم حتى استشهد تحت الركن اليماني في المسجد الحرام، وبعد استشهاده جمع النبي جميع الصحابة رضي الله عنهم وكانوا في وقتها أربعين رجلًا
وكان هذا الحدث في السنة الرابعة من مبعثه- صلى الله عليه وسلم
نور القبس (ص: 102،[1]
الرحيق المختوم مع زيادات (ص: 35) [2]
الرحيق المختوم مع زيادات (ص: 36) [3]
الرحيق المختوم مع زيادات (ص: 36) [4]
صحيح البخاري 2/ 702، 743، [5]
الإصابة في تمييز الصحابة (1/ 696) [6]
الأوائل للعسكري (ص: 214 [7]
الأعلام للزركلي (2/ 158) [8]
الإصابة في تمييز الصحابة، تحقيق: علي محمد معوض، عادل أحمد عبد الموجود ج. 1، ص. 696 [9]