ذهب كثير من العلماء أن آدم عليه السلام هو الذي وضع الأسس للبيت الحرام في مكة ثم بعد ذلك وضع الأسس للمسجد الأقصى، ولما تهدم البيت مع مرور الزمن بقيت القواعد فقام سيدنا إبراهيم برفع القواعد من بيت الله الحرام كما جاء في القرآن الكريم ﴿وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (127) رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِن ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُّسْلِمَةً لَّكَ وَأَرِنَا مَنَاسِكَنَا وَتُبْ عَلَيْنَا إِنَّكَ أَنتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ (128) رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولًا مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ إِنَّكَ أَنتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ )129) البقرة
فكما قام إبراهيم ببناء البيت الحرام ورفع قواعده قام أيضا ببناء بيت المقدس ورفع قواعده
فبعد أن بنى الخليل إبراهيم عليه الصلاة والسلام الكعبة والبيت الحرام أمره الله أن يبني بيت المقدس فبناه، وقيل إن يعقوب عليه السلام هو الذي قام بذلك، وقد كان بين البنائين أربعون عاما، فعن أبي ذر- رضي الله عنه- قال:«قلت يا رسول الله، أيّ مسجد وضع في الأرض أولا؟ قال: المسجد الحرام، قلت: ثم أيّ؟ قال: المسجد الأقصى، قلت: كم بينهما؟ قال: أربعون سنة، وأينما أدركتك الصلاة فصلّ فهو مسجد» (رواه البخاري ومسلم ). وأما ما قيل بأن الذي بني المسجد الأقصى هو سليمان بن داود عليهما السلام كما روى النسائي بإسناد صحيح من حديث عبد الله بن عمرو عن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال: «إن سليمان بن داود لما بنى البيت المقدس سأل الله عز وجل خلالا ثلاثا: سأل الله عز وجل حكما يصادف حكمه فأوتيه، وسأل الله ملكا لا ينبغي لأحد من بعده، فأوتيه، وسأل الله عز وجل حين فرغ من بناء المسجد ألا يأتيه أحد، لا ينهزه- أي لا يدفعه- إلا الصلاة فيه أن يخرجه من خطيئته كيوم ولدته أمه فأوتيه» فقد كان بين إبراهيم وسليمان ما يزيد عن ألف عام وهذا يخالف الحديث الذي أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن البناء كان بينهما أربعين سنة
قال ابن حجر في فتح الباري: ” وقد رأيت أن أول من أسس المسجد الأقصى آدم عليه السلام وقيل الملائكة وقيل سام بن نوح عليه السلام وقيل يعقوب عليه السلام فعلى الأولين يكون ما وقع ممن بعدهما تجديدا كما وقع في الكعبة وعلى الأخيرين يكون الواقع من إبراهيم أو يعقوب أصلا وتأسيسا ومن داود تجديدا لذلك وابتداء بناء فلم يكمل على يده حتى أكمله سليمان عليه السلام لكن الاحتمال الذي ذكره بن الجوزي أوجه وقد وجدت ما يشهد له ويؤيد قول من قال إن آدم هو الذي أسس كلا من المسجدين فذكر ابن هشام في كتاب التيجان أن آدم لما بنى الكعبة أمره الله بالسير إلى بيت المقدس وأن يبنيه فبناه ونسك فيه([1])
وما فعله سليمان عليه السلام هو توسعة وتجديد للبناء وليس بناء أولي وظل المسجد الأقصى قرابة الألف عام مندثر، ، ثم اشترى داوود أرضًا من رجل من اليبوسين ليبني عليه التوسعة والله سبحانه وتعالى هو من أعلم داوود بموقع المسجد الأقصى.