قال سبحانه وتعالي في كتابه العزيز : «إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ» (التوبة : 36).
يقول ابن رجب «فأخْبَرَ سبحانَهُ أنَّهُ منذُ خَلَقَ السَّماواتِ والأرضَ، وخَلَقَ الليلَ والنَّهارَ يَدورانِ في الفلكِ، وخَلَقَ ما في السَّماءِ مِن الشَّمسِ والقمرِ والنُّجومِ، وجَعَلَ الشَّمسَ والقمرَ يَسْبَحانِ في الفَلَكِ [فـ]ـينْشَأُ منهُما ظلمةُ الليلِ وبياضُ النَّهارِ؛ فمِن حينئذٍ جَعَلَ السَّنةَ اثني عشرَ شهرًا بحسبِ الهلالِ.»([1])
فيعد شهر رجب هو أحد الأشهر الأربعة الحرم التي عظمها الله في كتابه ونهى عن الظلم فيها.
دعاء النبي ﷺ لهذا الشهر بالبركة
عن أنس، قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا دخل رجب قال: «اللهم بارك لنا في رجب وشعبان وبلّغنا رمضان». أخرجه: أحمد (1/ 259)، وابن السني في «عمل اليوم والليلة» (658)
و يُشرع الصيام فيه من باب الاستحباب العام للصوم في “الأشهر الحرم”، استناداً لحديث الباهلي وتوجيه النبي ﷺ له: (صُمْ مِنَ الْحُرُمِ وَاتْرُكْ).
كما في الحديث الذي رواه الإمام أحمد وأبو داود وابن ماجه والبيهقي بسند جيد عن رجل من باهلة “أنّهُ أتى رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم، ثُمّ انْطَلَقَ فَأتَاهُ بَعْدَ سَنَةٍ وَقَدْ تَغَيّرَتْ حَالُهُ وَهَيْئَتُهُ، فقال: يَارَسُولَ الله أمَا تَعْرِفُنِي؟ قال: وَمَنْ أنْتَ؟ قال: أنَا الْبَاهِليّ الّذي جِئْتُكَ عَامَ الأوّلِ، قال: فَمَا غَيّرَكَ وَقَدُ كُنْتَ حَسَنَ الْهَيْئَةِ؟ قُلْتُ مَا أكَلْتُ طَعَاماً مُنْذُ فَارَقْتُكَ إلاّ بِلَيْلٍ، فقال رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم لِمَ عَذّبْتَ نَفْسَكَ، ثُمّ قال: صُمْ شَهْرَ الصّبْرِ وَيَوْماً مِنْ كُلّ شَهْرٍ، قال: زِدْني فإنّ بِي قُوّةً، قال: صُمْ يَوْمَيْنِ، قال: زِدْنِي، قال: صُمْ ثَلاَثَةَ أيّامٍ، قال: زِدْنِي، قال: صُمْ مِنَ الْحُرُمِ وَاتْرُكْ، صُمْ مِنَ الْحُرُمِ وَاتْرُكْ، صُمْ مِنَ الْحُرْمِ وَاتْرُكْ، وَقال بِأصَابِعِهِ الثّلاَثَةِ فَضَمّهَا ثُمّ أرْسَلَهَا”.
ولم يثبت عن النبي ﷺ ولا صحابته تخصيص رجب بعبادات معينة، مثل: تخصيص أيام محددة للصوم. وقيام ليالٍ معينة., ولا الاحتفال بليلة السابع والعشرين (الإسراء والمعراج).
وقد كان العرب في الجاهلية يعظمون شهر رجب، فجاء الإسلام وأقرّ تعظيمه، لكنه نهى عن البدع والممارسات التي لا أصل لها. ويكمن فضل شهر رجب في كونه شهرًا يُضاعف فيه الأجر، ويُعظم فيه الإثم، وهو فرصة عظيمة للتوبة والرجوع إلى الله.
كما أن شهر رجب يُعد شهرا تمهيدًا لشهر رمضان، ففيه يبدأ المسلم بتهيئة نفسه بالطاعات، وكثرة الذكر، والعبادة
وقد كان بعض السّلف يصوم الأشهر الحرم كلّها، منهم ابن عمر، والحسن البصري، وأبو إسحاق السّبيعيّ. وقال الثوريّ: الأشهر الحرم أحبّ إليّ أن أصوم فيها. ([2])
السلف وشهر رجب
كان بعض الصالحين قد مرض قبل شهر رجب، فقال: إنّي دعوت الله أن يؤخّر وفاتي إلى شهر رجب، فإنّه بلغني أنّ لله فيه عتقاء؛ فبلّغه الله ذلك ومات في شهر رجب.
شهر رجب مفتاح أشهر الخير والبركة؛ قال أبو بكر الورّاق البلخيّ: شهر رجب شهر الزّرع، وشهر شعبان شهر السّقي للزّرع، وشهر رمضان شهر حصاد الزّرع وعنه قال: مثل شهر رجب مثل الريح، ومثل شعبان مثل الغيم،
ومثل رمضان مثل المطر. وقال بعضهم: السّنة مثل الشّجرة؛ وشهر رجب أيّام توريقها، وشعبان أيّام تفريعها، ورمضان أيّام قطفها، والمؤمنون قطافها.
أفضل الأشهر الحرم”
«واخْتُلِفَ في أي هذهِ الأشهرِ الحرمِ أفضلُ: فقيلَ: رجبٌ. قالَهُ بعضُ الشَّافعيّةِ، وضَعَّفَهُ النَّوَوِيُّ وغيرُهُ. وقيلَ: المحرَّمُ. قالَهُ الحَسَنُ، ورَجَّحَهُ النَّوَوِيُّ. وقيلَ: ذو الحِجَّةِ. رُوِيَ عن سَعيدِ بن جُبَيْرٍ وغيرِهِ، وهوَ أظهرُ. واللهُ أعلمُ.»([3])
فعلى المسلم أن يتزود ويكثرمن العبادة والتقرب إلى الله:
فشهر رجب محطةٌ إيمانية مباركة، وفرصة عظيمة لمراجعة النفس والتزوّد بالطاعات. ومن أجمل ما يُتقرب به إلى الله فيه:
تعظيم العبادات: بالإكثار من تلاوة القرآن الكريم وتدبره، والصيام ولا سيما يومي الاثنين والخميس، مع الإكثار من الدعاء في أوقات الإجابة، والاستغفار الذي يطهّر القلوب ويمحو الذنوب.
فأمَّا الصَّلاةُ؛ فلمْ يَصِحَّ في شهرِ رجبٍ صلاة مخصوصةٌ تَخْتَصُّ بهِ، والأحاديثُ المرويَّةُ في فضلِ صلاةِ الرَّغائبِ في أوَّلِ ليلةِ جمعة مِن شهرِ رجب كذبٌ وباطلٌ لا يَصِحُّ، وهذهِ الصَّلاةُ بدعةٌ عندَ جمهورِ العلماءِ.
أحداث هامة حدثت في رجب
ولقد حث في شهر رجب أحداث تاريخية هامة منها:
غزوة تبوك: (سنة 9 هـ) حيث خرج النبي صلى الله عليه وسلم في هذه الغزوة، وهي آخر غزواته.
سرية عبد الله بن جحش: (نخلة) التي كانت سبباً لغزوة بدر العظمى.
فتح دمشق: (14 هـ) على يد أبي عبيدة بن الجراح وخالد بن الوليد رضي الله عنهم.
معركة اليرموك: (5 رجب 15 هـ) وكانت انتصار حاسم للمسلمين.
معركة الزلاقة: (479 هـ) انتصر فيها المسلمون بالأندلس بقيادة يوسف بن تاشفين.
فتح بيت المقدس: (583 هـ) دخول صلاح الدين الأيوبي القدس بعد معركة حطين
تقبَّلَ اللهُ طاعتكم، وبارك في أعمالكم، وجعل ما قدَّمتموه من عمل خالصًا لوجهه الكريم، وكتب لكم الأجر والمثوبة، وبلَّغكم مواسم الخير وأنتم في أحسن حال، وزادكم قربًا منه وطاعةً ورضوانًا.
مؤسسة السادة للفكر والثقافة
[1])) «لطائف المعارف فيما لمواسم العام من الوظائف» (ص272 ت عامر):
[2])) «لطائف المعارف فيما لمواسم العام من الوظائف» (ص214 ت عوض الله):
[3])) . «لطائف المعارف فيما لمواسم العام من الوظائف» (ص273 ت عامر):