موضوع الفتوى وتاريخها في يناير سنة 1956م أصدرت لجنة الفتوى بالأزهر الشريف برئاسة الشيخ «حسنين مخلوف» فتواها بشأن الموقف الإسلامي من إنشاء ما يُسمى، «دولة إسرائيل» ومن الدولة الاستعمارية التي تساندها ومن الصلح معها، وكان الجواب التالي:
جواب لجنة الفتوى بالأزهر الشريف
بسم الله الرحمن الرحيم اجتمعت لجنة الفتوى بالجامع الأزهر في يوم الأحد 18 جمادى الأولى سنة 1375هـ الموافق (أول يناير سنة 1956م
برئاسة السيد صاحب الفضيلة، الأستاذ الشيخ/ حسنين محمد مخلوف عضو جماعة كبار العلماء ومفتي الديار المصرية سابقًا.
وعضوية السادة أصحاب الفضيلة:
الشيخ/ عيسى منون؛ عضو جماعة كبار العلماء وشيخ كلية الشريعة سابقا (الشافعي المذهب.
والشيخ/ محمد شلتوت؛ عضو جماعة كبار العلماء (الحنفي المذهب)
والشيخ/ محمد الطنيخي؛ عضو جماعة كبار العلماء ومدير الوعظ والإرشاد (المالكي المذهب
والشيخ محمد عبد اللطيف السبطي؛ عضو جماعة كبار العلماء ومدير التفتيش بالأزهر (الحنبلي المذهب). وبحضور الشيخ/ زكريا البري؛ أمين الفتوى.
ونظرَت في الاستفتاء الآتي وأصدرت فتواها التالية:
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيد المرسلين سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين..
تحقيق مناط الفتوى
أما بعد..
فقد اطلعت لجنة الفتوى بالأزهر الشريف على الاستفتاء المقدَّم إليها عن حكم الشريعة الإسلامية في إبرام الصلح مع إسرائيل التي اغتصبت فلسطين من أهلها، وأخرجتهم من ديارهم، وشردتهم نساء وأطفالا وشيبًا وشبانًا في آفاق الأرض، واستلبت أموالهم، واقترفت أفظع الآثام في أماكن العبادة والآثار والمشاهد الإسلامية المقدسة..
وعن حكم التواد والتعاون مع دول الاستعمار التي ناصرتها وتناصرها في هذا العدوان الأثيم وأمدتها بالعون السياسي والمادي لإقامتها دولةً يهودية في هذا القطر الإسلامي بين دول الإسلام..
وعن حكم الأحلاف التي تدعو إليها دول الاستعمار والتي في مراميها تمكين إسرائيل، ومن ورائها الدول الاستعمارية، أن توسع بها رقعتها وتستجلب بها المهاجرين إليها، وفي ذلك تركيز لكيانها وتقوية لسلطانها؛ مما يضيق الخناق على جيرانها ويزيد في تهديدها لهم ويهيئ للقضاء عليهم.
حكم الصلح كما يريده الداعون إليه
وتفيد اللجنة أن الصلح مع إسرائيل كما يريده الداعون إليه، لا يجوز شرعًا، لما فيه من إقرار الغاصب على الاستمرار في غصبه، والاعتراف بأحقية يده على ما اغتصبه، وتمكين المعتدي من البقاء على دعواه.
وقد أجمعت الشرائع السماوية والوضعية على حرمة الغصب ووجوب رد المغصوب إلى أهله وحثت صاحب الحق على الدفاع والمطالبة بحقه، ففي الحديث الشريف: «من قُتل دون ماله فهو شهيد، ومن قٌتل دون عرضه فهو شهيد».
وفي حديث آخر «على اليد ما أخذت حتى تؤديه».
ما يجب على المسلمين:
فلا يجوز للمسلمين أن يصالحوا هؤلاء اليهود الذين اغتصبوا أرض فلسطين واعتدوا فيها على أهلها وعلى أموالهم على أي وجه يمكّن اليهود من البقاء كدولة في أرض هذه البلاد الإسلامية المقدسة.
بل يجب عليهم أن يتعاونوا جميعًا على اختلاف ألسنتهم وألوانهم وأجناسهم لرد هذه البلاد إلى أهلها، وصيانة المسجد الأقصى مهبط الوحي ومصلى الأنبياء الذي بارك الله حوله، وصيانة الآثار والمشاهد الإسلامية من أيدي هؤلاء الغاصبين.
وأن يعينوا المجاهدين بالسلاح وسائر القوى على الجهاد في هذا السبيل وأن يبذلوا فيه كل ما يستطيعون حتى تطهر البلاد من آثار هؤلاء الطغاة المعتدين.
ومن قصّر في ذلك، أو فرّط فيه، أو خذّل المسلمين عنه، أو دعا إلى ما من شأنه تفريق الكلمة وتشتيت الشمل والتمكين لدول الاستعمار والصهيونية من تنفيذ خططهم ضد العرب والإسلام وضد هذا القطر العربي والإسلامي؛ فهو في حكم الإسلام: «مفارق للجماعة المسلمة ومقترف أعز الآثام
طبيعة العداء اليهودي؛ تاريخيا وحاضرا
كيف ويعلم الناس جميعًا أن اليهود يكيدون للإسلام وأهله ودياره أشد الكيد منذ عهد الرسالة إلى الآن، وأنهم يعتزمون أن لا يقفوا عند حد الاعتداء على فلسطين والمسجد الأقصى وإنما تمتد خططهم المدبَّرة إلى امتلاك البلاد الإسلامية الواقعة بين نهري النيل والفرات.
وإذا كان المسلمون جميعًا ـ في الوضع الإسلامي ـ «وحدة لا تتجزأ» بالنسبة إلى الدفاع عن بيضة الإسلام؛ فإن الواجب شرعًا أن تجتمع كلمتهم لدرء هذا الخطر والدفاع عن البلاد واستنقاذها من أيدي الغاصبين..
قال تعالى: ﴿وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا﴾ (آل عمران:103
وأما التعاون مع الدول التي تشد أزر هذه الفئة الباغية وتمدها بالمال والعتاد وتمكن لها من البقاء في الديار؛ فهو غير جائز شرعًا، لما فيه من الإعانة لها على هذا البغي والمناصرة لها في موقفها العدائي ضد الإسلام ودياره.
وقد جمع الله سبحانه في آية واحدة جميع ما تخيله الإنسان من دوافع الحرص على قراباته وصِلاته وعلى تجارته التي يخشى كسادها، وأمَر بمقاطعة الأعداء، وحذّر المؤمنين من التأثر النفسي بشيء من ذلك واتخاذه سببًا لموالاتهم، فقال تعالى:
ولا ريب أن مظاهرة الأعداء وموادتهم يستوي فيها إمدادهم بما يقوي جانبهم ويثبت أقدامهم بالرأي والفكرة وبالسلاح والقوة ـ سرًّا وعلانية ـ مباشرة وغير مباشرة، وكل ذلك مما يحْرُم على المسلم مهما تخيل من أعذار ومبررات.
ومن ذلك يعلم أن هذه الأحلاف التي تدعو إليها الدول الاستعمارية وتعمل جاهدة لعقدها بين الدول الإسلامية ابتغاء الفتنة وتفريق الكلمة، والتمكين لها في البلاد الإسلامية، والمضي في تنفيذ سياساتها حيال شعوبها:
لا يجوز لأي دولة إسلامية أن تستجيب لها وتشترك معها، لِما في ذلك من الخطر العظيم على البلاد الإسلامية، وبخاصة فلسطين الشهيدة، التي سلمتها هذه الدول الاستعمارية إلى الصهيونية الباغية نكايةً في الإسلام وأهله وسعيًا، لإيجاد دولة لها وسط البلاد الإسلامية لتكون تكئة لها في تنفيذ مآربها الاستعمارية الضارة بالمسلمين في أنفسهم وأموالهم وديارهم.
وهي في الوقت نفسه من أقوى مظاهر الموالاة المنهي عنها شرعًا والتي قال الله تعالى فيها: ﴿وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ﴾ (المائدة:51
وقد أشار القرآن الكريم إلى أن موالاة الأعداء إنما تنشأ من مرض في القلوب يدفع أصحابها إلى هذه الذّلة التي تظهر بموالاة الأعداء فقال تعالى: ﴿فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ يُسَارِعُونَ فِيهِمْ يَقُولُونَ نَخْشَى أَن تُصِيبَنَا دَائِرَةٌ. فَعَسَى اللَّهُ أَن يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ أَوْ أَمْرٍ مِّنْ عِندِهِ فَيُصْبِحُوا عَلَى مَا أَسَرُّوا فِي أَنفُسِهِمْ نَادِمِينَ﴾ (المائدة:52.
-وجوب الوحدة
-ووجوب الحيلولة دون جميع أنواع القوة للكيان الغاصب.
وكذلك يحْرُم شرعًا على المسلمين أن يمكنوا إسرائيل ومَن وراءها من الدول الاستعمارية التي كفلت لها الحماية والبقاء، من تنفيذ تلك المشروعات التي يُراد بها ازدهار دولة اليهود وبقاؤها في رغد من العيش وخصوبة في الأرض حتى تعيش كدولة تناوئ العرب والإسلام في أعز دياره، وتُفسد في البلاد أشد الفساد، وتكيد للمسلمين في أقطارهم.
ويجب على المسلمين أن يحُولوا بكل قوة دون تنفيذها ويقفوا صفًّا واحدًا في الدفاع عن حوزة الإسلام وفي إحباط هذه المؤامرات الخبيثة التي من أولها هذه المشروعات الضارة، ومَن قَصَّر في ذلك أو ساعد على تنفيذها أو وقف موقفًا سلبيًّا منها فقد ارتكب إثمًا عظيمًا.([1])
ولقد كتبعن حكم التَّطبِيع مع العدو اليهودي المحتل لفلسطين وبيان مخاطره على المسلمين الأستاذ الدكتور صالح الرقب
أدلة ال حريم والمنع من الكتاب والسنة والعقل وباعتبار المفاسد والمآل:
أولاً: الأدلة من الكتاب:
1- قال تعالى: (قَاتِلُوا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلا بِالْيَوْمِ الآخِرِ وَلا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُون) التوبة:29. وهذا التَّطبِيع يُعطِّلُ هذه الآية. وقال تعالى: (وَمَا لَكُمْ لا تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْ هَذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُهَا) النساء:75، وإذا كان الله قد أوجبَ القتالَ لإنقاذ المستضعفين فكيف نصالِحُهم صلحًا يُمَكِنَهم من المستضعفين من المسلمين في فلسطين، وهذا ممَّا يتضمنه التَّطبِيع.
2- قال تعالى: (إِنَّمَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ وَظَاهَرُوا عَلَى إِخْرَاجِكُمْ أَن تَوَلَّوْهُمْ وَمَن يَتَوَلَّهُمْ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ) سورة الممتحنة:08، 09. والتَّطبِيع مع اليهود يعني وقف قتالهم وجهادهم، وهم يقاتلوننا في الدين، وقد أخرجوا ملايين المسلمين من أرضهم فلسطين، وما زالوا يخرجون من شعب فلسطين من ديارهم، ويمنعون عودتهم.(مصادرة حق اللاجئين وطرد غيرهم)
3- قال تعالى: (وَإِنْ نَكَثُوا أَيْمَانَهُمْ مِنْ بَعْدِ عَهْدِهِمْ وَطَعَنُوا فِي دِينِكُمْ فَقَاتِلُوا أَئِمَّةَ الْكُفْرِ إِنَّهُمْ لَا أَيْمَانَ لَهُمْ لَعَلَّهُمْ يَنْتَهُونَ) التوبة:12. فأمر بمقاتلة الناقض والطاعن في الدين، فكيف نعقدُ معهم ما يسمونه صلحًا في الوقت الذي يحرم عقده كما في الآيات السابقة.
4- لا يؤمن اليهود بالمعاهدات والمواثيق مع غيرهم ودينهم نبذها والضرب بها عرض الحائط. قال تعالى عنهم: (كُلَّمَا أَوْقَدُوا نَاراً لِلْحَرْبِ أَطْفَأَهَا اللَّهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَاداً وَاللَّهُ لا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ) المائدة:64. (أَو َكُلَّمَا عَاهَدُوا عَهْداً نَبَذَهُ فَرِيقٌ مِنْهُمْ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يُؤْمِنُونَ) البقرة:100. وقوله سبحانه: (فَبِمَا نَقْضِهِمْ مِيثَاقَهُمْ لَعَنَّاهُمْ وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةً يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ (المائدة: 13، (الَّذِينَ عَاهَدْتَ مِنْهُمْ ثُمَّ يَنْقُضُونَ عَهْدَهُمْ فِي كُلِّ مَرَّةٍ وَهُمْ لا يَتَّقُون (الأنفال: 56. وتقول توراتهم”: لا تصنعوا سلاما هكذا يقول الرب مع الأشرار”.
5- إنَّ اليهود أشد الناس عداوة وكرهاً لهذه الأمة، قال تعالى عنهم: (لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا). المائدة:82. وقال تعالى عنهم: (وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ) البقرة:120. قال مناحيم بيغن – رئيس وزراء العدو الهالك- في كتابه (الثورة): “ينبغي عليكم أيها الإسرائيليون أنْ لا تلينوا أبداً عندما تقتلون أعداءكم، ينبغي أنْ لا تأخذَكُم بهم رحمةً، حتى نُدمِّرَ ما يُسمَّى بالثقافة العربية التي سَنبنِي على أنقاضِها حضارتَنَا”. وأثناء زيارة بيغن رئيس لمصر في 25/8/1981م، أعرب عن استيائه البالغ من استمرار الطلبة في مصر بدراسة كتب التاريخ التي تتحدث عن اغتصاب إسرائيل لفلسطين وكتب التربية الإسلامية التي تحتوي على آيات من القرآن الكريم تندّد باليهود وتلعنهم.(15)
6- أثبت اليهود أنَّهم لا يستجيبون لمنطقِ الشجب والاستنكار أو المطالبة، وأنَّ ما اغتصبوه من الأمة لا يمكن أن يُردوا شيئًا منه إلاَّ بالقوة، لا بإقامة علاقاتِ سلامٍ وتطبيعٍ معهم، وتاريخهم كله قديما وحالياً ينطق بهذه الحقيقة الثابتة، والقرآن الكريم يُشير إليها بقوله تعالى: (وَمِنْهُمْ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِدِينَارٍ لا يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ إِلَّا مَا دُمْتَ عَلَيْهِ قَائِماً ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا لَيْسَ عَلَيْنَا فِي الْأُمِّيِّينَ سَبِيلٌ وَيَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ) آل عمران:75.
ثانياً: الأدلة من السنة النبوية:
لم يثبت أنَّ الرسول صلى الله عليه وسلم أو الخلفاء الراشدين صالحوا كفارا سيطروا على أرض إسلامية فصالحوهم على أن يأخذ المسلمون جزءا من هذه الأرض التي سيطَّر عليها الكفار ليقيموا عليها حكما علمانيا أو دينيا يهوديا؟.
وهو يضاد الأحاديث الصحيحة التي تأمر بإخراج اليهود والنصارى من جزيرة العرب، وبالصلح المزعوم اليوم أدخلوا اليهود والنصارى إلى جزيرة العرب.
وقد جاءت عدة أحاديث، تدل على هذا المعنى :
1- عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم: (لأخرجنَّ اليهود والنصارى من جزيرة العرب، حتى لا أدعُ إلا مُسلماً) أخرجه مسلم 2- عن أبي عبيدة بن الجرَّاح رضي الله عنه قال : آخرُ ما تكلَّم به النبيُّ صلى الله عليه وسلم: “أخرجوا يهودَ أهل الحجاز، وأهل نجران من جزيرة العرب، واعلموا أنَّ شرارَ النَّاسِ الذين اتخذوا قبورَ أنبيائهم مساجدَ”.(16) والمراد بجزيرة العرب في هذه الأحاديث: الجزيرة العربية كلها، التي يحيط بها البحر الأحمر والخليج العربي والمحيط الهندي ، وتنتهي شمالا إلى أطراف الشام والعراق .
وهذه الاتفاقات التطبيعية مع العدو المحارب المحتل لأرض المسلمين باطلةٌ لحديث: “من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد”، رواه الشيخان من حديث عائشة واللفظ لمسلم، وهذا الصلحَ المزعوم المذموم ليس عليه أمرُ الرسول صلى الله عليه وسلم بل هو مضادٌ له.
فتاوى العلماء في مظاهرة الكفار ومعاونتهم على المسلمين:
لقد صدرت فتاوى عديدة من كبار العلماء المسلمين يبينون فيها الحكم الشرعي فيمن يظاهر الكافرين ويواليهم ويساعدهم، وقد عدّو فعله ناقضاً من نواقض الإسلام، وحكموا بكفره وردته، ما دام عمله فيه مناصرة ومعاونة للكفار في تحقيق أهدافهم، وأنَّ حكمه القتل كفراً لتوليه الكفار.
1- فتوى علماء وقضاة وخطباء فلسطين الذي انعقد في القدس عام 1355هـ الموافق 1935م، وأصدروا فتوى بحرمة بيع الأراضي الفلسطينية على اليهود، لأنه يحقق المقاصد الصهيونية في تهويد أرض فلسطين، وأن من باع الأرض عالما بنتيجة ذلك راضيا به فهذا يستلزم الكفر والردة، وأشاروا إلى فتاوى علماء المسلمين في العراق ومصر والهند والمغرب وسوريا والأقطار الأخرى بأنها أيضا تحرم بيع الأرض في فلسطين لليهود، ثم ذكروا الأدلة في ذلك.
2- فتوى علماء الأزهر في إقامة الصلح والسلام مع اليهود والاعتراف بدولتهم عام 1956م: “إن الصلح مع إسرائيل لا يجوز شرعاً لما فيه من إقرار للغاصب على الاستمرار في غصب ما اغتصبه وتمكينه، والاعتراف بحقية يده على المعتدي من البقاء على عدوانه، فلا يجوز للمسلمين أن يصالحوا هؤلاء اليهود الذين اغتصبوا أرض فلسطين واعتدوا فيها على أهلها وعلى أموالهم، بل يجب على المسلمين أن يتعاونوا جميعاً على اختلاف ألسنتهم وألوانهم وأجناسهم لرد هذه البلاد إلى أهلها، ومن قصر في ذلك أو فرط فيه، أو خذل المسلمين عن الجهاد أو دعا إلى ما من شأنه تفريق الكلمة وتشتيت الشمل والتمكين لدول الاستعمار من تنفيذ مخططهم ضد العرب والإسلام وضد فلسطين فهو في حكم الإسلام : مفارق جماعة المسلمين، ومقترف أعظم الآثام”.
3- وفتوى علماء المؤتمر الدولي الإسلامي المنعقد في باكستان عام1388هـ، 1968م.
4- فتوى لجنة الفتوى في الأزهر الصادرة عام 1375هـ بتحريم التَّطبِيع مع اليهود.
5- أصدر مجموعة من العلماء عام1409هـ، 1989م، بلغ عددهم (63) عالما من ثماني عشرة دولة فتوى بتحريم التنازل عن أي جزء من فلسطين.
6- جاء في موسوعة المفاهيم لمجمع البحوث التابع للأزهر الشريف: “… والذي يدلُّ اليهود على عورات المسلمين، ويتسبب في قتل الأبطال على أيدي اليهود يعد محاربا، يستوجب قتله؛ لأنّه تسبب في قتل المسلمين، وسبب السبب يأخذ حكم السبب، ومن أعان على القتل ولم يباشره كان قاتلاً أيضاً، على أن هذا الأمر الذي قام به من التعاون مع الأعداء يعد خيانة لله وخيانة لرسوله صلى الله عليه وسلم، وخيانة لهذا الدين، وخيانة للمسلمين، وقد صحّ عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: “من أعان ظالماً بباطل ليدحض بباطله حقاً فقد برئ من ذمة الله تعالى وذمة رسوله”.(12)
7- فتوى الشيخ العلامة المحقق أحمد شاكر: “أما التعاون مع الإنجليز بأي نوع من أنواع التعاون، قلّ أو كثر، فهو الردّة الجامحة، والكفر الصّراح، لا يقبل فيه اعتذار، ولا ينفع معه تأول، ولا ينجي من حكمه عصبية حمقاء، ولا سياسة خرقاء، ولا مجاملة هي النفاق، سواء أكان ذلك من أفراد أو حكومات أو زعماء. كلهم في الكفر والردة سواء، إلا من جهل وأخطأ، ثم استدرك أمره فتاب وأخذ سبيل المؤمنين، فأولئك عسى الله أن يتوب عليهم، إن أخلصوا من قلوبهم لله لا للسياسة ولا للناس…… ولا يجوز لمسلم في أي بقعة من بقاع الأرض أن يتعاون معهم بأي نوع من أنواع التعاون، وإن التعاون معهم حكمه حكم التعاون مع الإنجليز الردة والخروج من الإسلام جملة، أيا كان لون المتعاون معهم أو نوعه أو جنسه. وما كنت يوما بالأحمق ولا بالغر… ولكني أراني أبصر المسلمين بمواقع أقدامهم، وبما أمرهم الله به، وبما أعدّ لهم من ذل في الدنيا وعذاب في الآخرة إذا أعطوا مقاد أنفسهم وعقولهم لأعداء الله، وأريد أن أعرفهم حكم الله في هذا التعاون مع أعدائهم، الذين استذلوا وحاربوهم في دينهم وفي بلادهم، وأريد أن أعرفهم عواقب هذه الردة التي يتمرغ في حمأتها كل من أصر على التعاون مع الأعداء.(13)
8- فتوى الشيخ سليمان العلوان تحت (فصل: الناقض الثامن من نواقض الإسلام؛ مظاهرة المشركين ومعاونتهم على المسلمين): “ومظاهرة المشركين ومعاونتهم على المسلمين فتنة عظيمة قد عمَّت فأعمَت، ورزيِّة رمت فأصمَّت، وفتنة دعت القلوب فأجابها كل قلب مفتون بحب المشركين، ولا سيما في هذا الزمن، الذي كثر فيه الجهل، وقلَّ فيه العلم، وتوفَّرت فيه أسباب الفتن، وغلب الهوى واستحكم، وانطمست أعلام السنن والآثار”.(14)
9- فتوى الشيخ الأستاذ الدكتور يوسف القرضاوي: “هؤلاء الخونة، الذين يعاونون أعداء أمتهم على الإثم والعدوان. هؤلاء حكمهم حكم اليهود المحتلين، لأن ولاءهم لهم، وعونهم لهم، والله تعالى يقول: (وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ) المائدة:51. بل الحق أني أرى هؤلاء شرا من اليهود الغزاة المعتدين، فإن اليهودي عدو واضح معروف، وهذا عدو من جلدتنا، ويتكلم بلساننا، فهو من المنافقين الذين قال الله عنهم: (إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الأسْفَلِ مِنَ النَّارِ وَلَنْ تَجِدَ لَهُمْ نَصِيرًا) النساء: 145. فالمنافق شر من الكافر”.
والتَّطبِيع يعني الاستسلام للكفار وعلو شأنهم، وإضاعة للدين، وللأراضي الإسلامية، وإذا عرفنا ذلك فإنَّ التَّطبِيع مع اليهود محرمٌ شرعا، ولا يجوز لأحد كائنا من كان أن يعقده بتلك الصورة، وإذا وقع كذلك فإنَّه يقعُ صلحًا باطلًا. وهو يتضمن عدَّةَ منكراتٍ مُحرمةٍ، بل من هو كبائر الذنوب، وبعضها قد يصل للكفر، والعياذ بالله تعالى.
10- أصدر مجموعة كبيرة جدا من علماء اليمن فتوى في تحريم التَّطبِيع مع اليهود.
11- وفتوى مؤتمر علماء فلسطين المنعقد في 1412هـ أفتوا بحرمة المشاركة في مؤتمر مدريد وأفتوا أيضا بحرمة التَّطبِيع مع اليهود ثم ذكروا الأدلة الشرعية في ذلك.
12- أصـدر عـلمـاء فلسـطـين من خلال رابطـة عـلمـاء فلسـطـين بتـاريـخ 25/1/2007م فتوى بتحريم التنازل عن حق عودة الشعب الفلسطيني إلى أرضه فلسطين: معلِّلين ذلك بأنَّه يعني التنازل عن ملكية المسلمين للأرض وتبعيَّتها للوقف الإسلامي، وقالوا: “فإذا كان بيع الأراضي المقدسة في بلاد الشام لغير المسلمين لا يجوز، ويحرِّمه الشارع الحكيم، وقد سبق أن أفتى علماء المسلمين في جميع أنحاء المعمورة بتجريم من فعله وكفَّروا من اعتقد حِلّه؛ فكيف بمن تنازل عن الأرض عبر التنازل عن حق عودة شعبنا الفلسطيني المسلم إلى أرضه المقدَّسة؟ فلا يحق لأحد ـ مهما كان موقعه أن يتنازل أو يبيع شيئاً منها، وإن فعله فهو مردود عليه”.
وخلصوا في نهاية الفتوى إلى عدَّة نقاط:
أولاً: إن المتنازل عن حق العودة يلغي وقف أمير المؤمنين لأرض الشام على ذراري المسلمين.
ثانياً: إن المتنازل عن حق العودة عاملٌ ومُظاهِر على إخراج المسلمين من ديارهم، وخروج فلسطين من ملكية الوقف الإسلامي إلى غيره، ومُقر بحق ملكية اليهود لها.
ثالثاً: إنه ظالم ومانع لمساجد الله – وعلى رأسها الأقصى قبلة المسلمين الأولى – أن يذكر فيها اسمه وساعٍ في خرابها. قال الله تعالى: (وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن مَّنَعَ مَسَاجِدَ اللَّهِ أَن يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ وَسَعَى فِي خَرَابِهَا) البقرة: 114.
رابعاً: إنه متخذ اليهود أولياء؛ لأن عمله يعد مساعدة ونصراً لهم على المسلمين: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ فَإنَّهُ مِنْهُمْ إنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِـمِينَ) المائدة: 51.
خامساً: إنه مؤذٍ وخائن لله ولرسوله وللمؤمنين.
سادساً: إنه كافر ومرتد عن دين الله، وبذلك يصبح أحد الثلاثة الذين يحل دمهم.
واختتموا فتواهم بقولهم: “وعليه فإننا في رابطة علماء فلسطين ومن خلال هذا المؤتمر نؤكد على أن حق المسلمين في فلسطين التاريخية كاملة حق مقدس ثابت لا يملك أحد التنازل عنه، ولا تُسقطـه معـاهـدة، ولا وثيـقة، ولا وعـد، ولا يجوز الصلح عليه، ولا على أي جزء منه. وإن حق العودة إلى فلسطين مقدس، لا ينبغي لفلسطيني أن يهاجر من بلاده مختاراً بدون حق ولا وجه شرعي، أو أن يتنازل عن هذا الحق، وأن يرضى بتعويض أو توطين في مكان آخر، ومن اعتقد حِل ذلك فهو كافر مرتد”.
ثالثًا: الأدلَّة العقلية على حرمة التَّطبِيع:
إنَّ اليهود في فلسطين غرباء ودخلاء، قد جلبوا من أطراف وبلدان عدة، ولا علاقة لهم ولا لآبائهم وأجدادهم بأرض فلسطين، ولا علاقة لهم بأحد من الأنبياء عليهم السلام. ومعلوم أنَّ حكم أرض فلسطين ينطبق على حكم الأرض المفتوحة عنوةً أو صلحاً من أراضي المسلمين، وقد اتفق السلف من علماء الأمة الاسلامية على أنها تعتبر داخلة في دار الإسلام، وبالتالي لا يجب التنازل عنها، بل يجب الدفاع عنها والقتال دونها، يقول أستاذ الفقه الدكتور عثمان شبير: “وبناء على هذا الحكم الذي قرره الفقهاء فإن أرض فلسطين التي فتح بعضها عنوة وبعضها صلحاً قد دخلت في دار الإسلام منذ ذلك الفتح، وطبقت عليها أحكام الإسلام، وأمَّر عليها عمر بن الخطّاب يزيد بن أبي سفيان، وحافظ المسلمون على إسلاميتها، وبقوا يجبون من أهلها الخراج”.
وهو يضاد مقاصد الجهاد الشرعي الثابت في الكتاب والسنة والإجماع. وهو صلح باطل لما فيه من الشروط الباطلة المضادة للإسلام، وقد جاء في حديث عائشة مرفوعا: (ما كان من شرط ليس في كتاب الله فهو باطل وإن كان مائة شرط).
واعلم أنَّه لا يجوز الاحتجاجُ بقوله تعالى: (وإن جَنَحوا للسَّلْمِ فاجْنَحْ لَهَا) يقال للمحتجِّين أكملوا الآيات! تجدوا أن المخادع الخائن في العهد لا يُصالح، بل يُحرَّضُ المسلمون على قتاله، والله ناصرنا عليه وهو حسبنا: (وَإِنْ يُرِيدُوا أَنْ يَخْدَعُوكَ – أي اليهود – فَإِنَّ حَسْبَكَ اللَّهُ هُوَ الَّذِي أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَبِالْمُؤْمِنِين) الآية، ثم قال بعدها: (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى الْقِتَالِ) الآيات. فكيف يُستدلُّ بأول الآيات ويتركُ آخرها؟. ويدلُّ على هذا المعنى مفهوم المخالفة في قوله تعالى في شأن المعاهدين: (فَمَا اسْتَقَامُوا لَكُمْ فَاسْتَقِيمُوا لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ)، فإنْ لم يستقيموا لنا كما هو حال اليهود الخائنين للمواثيق الناقضين للعهود، ثم كيف تكون مصالحتهم؟ مع أن القضية في حقيقتها تطبيع وليست صلحاً.
لماذا التَّطبِيعُ العدو اليهودي خيانةً وجريمةً كبرى، وكفرٌ وردةٌ عن دين الله تعالى:
يعدُّ التَّطبِيعُ مع العدو اليهودي المحتل لأرضِ فلسطين المسلمة خيانةً وجريمةً كبرى لعدة أمورٍ، نذكرُ منها ما يلي:
أولاً: الاتفاقات التطبيعية تُملِّكُ اليهودَ أرضَ الإسلام وتقرُّ بشرعية وجود كيانهم القائم فوق أرض مسلمة:
إنَّ التطبيع فيه الاعتراف والإقرار الصريح بملكية اليهود لأرض فلسطين الإسلامية المباركة والمقدسة من الله تعالى، وهذا يؤكد مقولات اليهود التوراتية، ويدمر ملكية المسلمين لفلسطين، وهذا من أعظم الخيانات لله تعالى ولرسوله صلى الله عليه وسلم وخيانة للأمة المسلمة، وفرقٌ كبيرٌ بين تركِ قتالهم والهدنة معهم، لوجود الضعف للإعداد لهم، وبين الاعتراف بهم، وإقرارِ مشروعية وجودهم على أراضٍ إسلاميةٍ، فالأوَّلُ جائزٌ بالإجماع، والثاني محرمٌ بالإجماع. وقد أفتى جمع من العلماءِ في منتصف القرن الرابع عشر بأنَّ بيع شيء من أراضي فلسطين خيانة لله ولرسوله وللإسلام، فكيف بمن يبيع فلسطين كلها؟. بل ويزيد على البيع: حماية الحدود للكيان المصطنع، والتعهد بترك قتاله، واعتبار من يقاتله إرهابياً خارجاً على دولة شرعية، ويعمل على تقوية اقتصاده، ويدعو إلى تطبيع العلاقات معه؟!. كما هو خيانة للشهداء وآلاف المعتقلين وملايين اللاجئين المشردين، إذا بيننا وبين العدو الصهيوني الجاثم على أرضنا وشعبنا قوافل من الشهداء، وأنهارا من الدماء، وآلافا من السجناء، وملايين اللاجئين المشردين في الأرض، وهي كلها تستنطق ضمائرنا بأن التطبيع مع العدو خيانة وجريمة.
ثانياً: الاتفاقات التطبيعية تلغي الجهاد في سبيل الله:
هذه الاتفاقيات تتضمن اشتراط السلام الدائم، والاحترام المتبادل، وترك القتال إلى الأبد، ولا شك أن هذا يؤدي إلى إلغاء لشريعة الجهاد في سبيل الله، بل وزادوا على ذلك المعاقبة عليه، وتسمية أهله بالإرهابيين!. وإبطال شريعة الجهاد مطلقاً، والسعي إلى إلغائه كفر كما بيَّنه شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى في الطائفة الممتنعة عن شيء من شرائع الإسلام الظاهرة، ومنها الجهاد في سبيل الله.(17)
ومعلوم أنَّ الجهاد ذروة سنام الإسلام، شرعه الله سبحانه في كتابه، وحث عليه النبي صلى الله عليه وسلم في أحاديث كثيرة، وجاهد بنفسه، وجاهد الصحابة وأئمة الدين من بعده، فلا يبطله حكم حاكم، ولا عقد جائر.
ثالثاً: الاتفاقات فيها تولٍ لأعداء الله ومظاهرة لهم على المجاهدين:
من أهم قواعد الدين ومقتضى شهادة التوحيد: موالاة الإسلام وأهله، ومحبتهم، والبراءة من الكفر وأهله، ومعاداتهم، كما قال تعالى: (قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآءُ مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ أَبَداً حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ) الممتحنة:4.
وفي هذه الاتفاقات التعاون بين الطرفين في مجال مكافحة الجريمة، ومن الجرائم الجهاد ضد اليهود؛ لأن دولة اليهود أصبحت – بهذه الاتفاقات- دولة شرعية معترفاً بها، فيصبح من يجاهدها من الإرهابيين، لذلك يتعاون جميع المتفقين في هذه المعاهدات على ضرب هؤلاء، والاتفاق على مثل هذا الأمر من نواقض الإسلام. كما قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ) المائدة:51.
رابعاً: هذه الاتفاقيات فيها تسليط لليهود على المسلمين:
حيث ستفتح هذه الاتفاقات بلاد المسلمين لليهود ليدخلوها، فوضعت لهم السفارات، ورفعت رايتهم اليهودية، واستقبلت وفودهم السياسية والاقتصادية والثقافية والإعلامية والسياحية وغيرها، ومكّنوا من ديار الإسلام، وصارت لهم حصانة، وهذا فيه من البلاء العظيم ما يعرفه كل من يعرف اليهود وخبثهم، وقد ركَّز اتفاق التطبيع بين دولة الكيان الصهيوني والإمارات بالإضافة إلى أمريكا على توسيع التعاون والأمني. والنظرة المماثلة بينهم فيما يتعلق بالتهديدات، والالتزام المشترك بتعزيز الاستقرار من خلال المشاركة الدبلوماسية، والتنسيق الأمني الوثيق”. وهذا يعني محاربة المقاومة الفلسطينية وتبادل المعلومات عنها، لتصبح من مهام أجهزة أمن دولة الإمارات جمع المعلومات الأمنية وتبادلها مع الكيان اليهودي الجاثم على أرض فلسطين. وهذا ما يتحدث به قادة يهود يقول اليهودي هركابي (الأب الروحي لرابين): “لابد من إدماج العرب في المشروع الصهيوني وتوظيفهم لخدمته، وهذا ممكن من خلال التعامل السياسي (وليس العسكري) مع العرب؛ لأنهم قوم لا يتحلون بالمثابرة والصبر والدأب وسرعان ما يدب فيهم الملل والضجر والاختلاف، ويسلمون أمورهم حتى لأعدائهم في سبيل الغلبة في معاركهم وخلافاتهم الداخلية”. ويقول شيمون بيريز: إن البقاء مستحيل لدينين لن يلتقيا ولن يتصالحا، وأنه لا يمكن أن يتحقق السلام في المنطقة ما دام الإسلام شاهراً سيفه، ولن نطمئن على مستقبلنا حتى يغمد الإسلام سيفه إلى الأبد.(18) وفي مؤتمر التسامح الذي عقد قبل عدة سنوات في المغرب العربي قال ديفيد ليفي وزير خارجية العدو حينها: “إنه من أجل أن يقوم التسامح بيننا وبين العرب والمسلمين، فلا بد من استئصال جذور الإرهاب، وإن من جذور الإرهاب سورة البقرة من القران”. انتهي
ولقد صدرت فتوى في الفترة الممتدَّة من (جمادى الأولى 1409هـ وحتَّى ربيع الآخرة 1410هـ): وقد وقَّع عليها ثلاثة وستون عالماً وداعية ومفكراً، منهم: الشيخ محمد الغزالي، والدكتور يوسف القرضاوي، والدكتور همَّام سعيد، والدكتور المجاهد عبد الله عزَّام، والأستاذ الدكتور وهبة الزحيلي، والشيخ عبد الرحمن عبد الخالق، وصادق عبد الماجد، والدكتور عصام البشير، والشيخ حافظ سلامة، ومصطفى مشهور، وجمعٌ من رجالات العمل والدعوة الإسلاميَّة، وكانت بعنوان: (فتوى علماء المسلمين المحرِّمة للتنازل عن أي جزء من فلسطين) وبيَّنوا في بدايتها أنَّ اليهود أشد عداوة للذين آمنوا، وقالوا: (الجهاد هو السبيل الوحيد لتحرير فلسطين، ولا يجوز بحال من الأحوال الاعتراف لليهود بشبر من أرض فلسطين، وليس لشخص أو جهة أن تقرَّ اليهود على أرض فلسطين أو تتنازل لهم عن أي جزء منها أو تعترف بأي حق لهم فيها، وإنَّ هذا الاعتراف خيانة لله ورسوله وللأمانة التي وُكّل إلى المسلمين المحافظة عليها)([2])
خامساً: فتوى لسماحة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله ابن باز ـ رحمه الله ـ: حيث أفتى بوجوب الجهاد ضدَّ اليهود المعتدين على أرض فلسطين، وقال: (فالواجب عليهم الدفاع عن دينهم وأنفسهم وأهليهم وأولادهم وإخراج عدوهم من أرضهم بكل ما استطاعوا من قوَّة) وقال: (فالواجب على الدول الإسلاميَّة وعلى بقية المسلمين تأييدهم ودعمهم ليتخلَّصوا من عدوهم، وليرجعوا إلى بلادهم )([3])
) مجلة الأزهر: المجلد السابع والعشرون، سنة 1955، 1956، ص 682 ـ 686.مجلة السنة العدد الخامس عشر القضية الفلسطينية [1] (
) فتوى علماء المسلمين بتحريم التنازل عن أي جزء من فلسطين: ص 51 ـ ص60، توزيع: دار الفرقان. [2] (
) مجموع مقالات وفتاوى سماحة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز [3] (